Jun
07

تاريخ المنافسة الشرسة بين البرازيل والأرجنتين

الكاتب: أبو الجوج


تَوَلَّى روكي ساينز بينيا رئاسة الأرجنتين سنة 1910، وزار عاما واحدا قبل ذلك دولة البرازيل، وقد أنهى حينها خطابا جميلا عن العلاقات بين البلدين بجملة تحمل في طياتها الكثير من المعاني، حيث قال: كل شيء يوحد بيننا، ولا شيء يفرقنا

 
وكان لكلمات الرئيس الأرجنتيني بطبيعة الحال ما يبررها. إذ كان النزاع بين الدولتين حول السيادة على إقليم سيسبلاتينا، والذي اندلع بعد استقلال أوروجواي، قد صار جزءًا من الماضي، بل واتحدت جيوش البلدين التى حاربت في خندق واحد خلال حرب باراجواي سنة 1864. كما كانت الأزمة الدبلوماسية التي عاشها البلدان عند ترسيم حدودهما النهائية سنة 1895 قد حُلَّت وعادت المياه إلى مجراها الطبيعي بينهما. وكانت جمل الرئيس في واقع الأمر حديثا عن بلدين جارين يمتلكان نقاط تشابه وتلاقي أكثر من نقاط الاختلاف والتفرقة رغم تنافسهما على ريادة أمريكا الجنوبية.

وظهرت الساحرة المستديرة، وصارت للمنافسة بين البلدين أسباب جديدة. ولم ينتقل الصراع كما يكون الشأن في العديد من الحالات من السياسة ودواليبها إلى ملاعب كرة القدم، بل يعد وليد المستطيل الأخضر فقط. هذا ولم يكن البلدان خصمان بالمعنى الحقيقي للكلمة طوال عقود الساحرة المستديرة الأولى، وكانت تجمع بين منتخباتهما علاقات طيبة. حيث كانت "كوبا روكا" في بداياتها تظاهرة أخوية لا مصدر توثر واحتقان، وكان تجمع بين منتخبي البلدين منذ سنة 1913. وكان خصم الكتيبة الأرجنتينية الحقيقي في تلك الفترة هو منتخب أوروجواي، إذ ألحق بها الهزيمة في موقعة نهائي دورة الألعاب الأولمبية بأمستردام سنة 1928 وخلال مباراة حسم لقب النسخة الأولى من كأس العالم FIFA سنة 1930.

وأشار نيتون سيزار دي أوليفيرا سانتوس في كتابه "البرازيل ضد الأرجنتين، قصص أكبر كلاسيكو في الكرة العالمية" (منشورات سكورتيسي، 2008)، إلى تأخر ظهور المنافسة الكروية بين البلدين. حيث هيمنت أوروجواي والأرجنتين على منافسات أمريكا الجنوبية في البداية، ولما تجاوزت البرازيل مركب النقص، حصدت الأخضر واليابس، ونالت كأس العالم FIFA ثلاث مرات، وابتعدت بذلك كثيرا عن إنجازات الأرجنتينيين، ولم يكن هناك بالتالي ما يبرر اعتبارهم خصوما. وقد ذكر الكاتب: "وجاء المنعرج التاريخي الحاسم، عندما انتظمت أمور المنتخب الأرجنتيني أخيرا، وأحرز لقب أم البطولات، ونال احترام عالم الساحرة المستديرة كله، وأضحى واحدا من المنتخبات المرشحة في كل المسابقات التي يخوضها. ثم حاول البرازيليون استدراك الأمور وتقليص الفارق في المواجهات المباشرة، ونجحوا في ذلك العشرية الأخيرة من القرن الماضي. وصارت المنافسة بين البلدين حينها صريحة وواضحة المعالم، واجتاحت الطرفين معا".

هجرة أرجنتينية
يتذكر عشاق اللاعب بيليه دون شك هدفه الألف، ولا حرج في تذكير من نسيه أنه جاء من ركلة جزاء في مرمى فاسكو سنة 1969، وأن حارس المرمى ليلتها لامس الكرة بيده، لكنها رفضت الخروج وعانقت الشباك. وقد كان الحارس السيئ الحظ ليلتها هو إدجاردو أندرادا، وكان أرجنتينيا، وادعى الكثيرون أن هدف الجوهرة السوداء الألف يستحق دخول التاريخ على هذا النحو، أي أن يكون في شباك أحد أبناء الألبيسيليستي. وقد أقر أندرادا نفسه أن روحه كانت معذبة لسنوات عديدة لأنه ساعد النجم البرازيلي على بلوغ ذلك الرقم القياسي.هكذا هي المنافسة والعداوة بين البرازيليين والأرجنتينيين، إنها كروية فحسب، غير أن ذلك ليس بالأمر الهين.

ولا يعتبر أندرادا حالة استثنائية. فإذا كان عدد البرازيليين المتألقين في الملاعب الأرجنتينية معدود على رؤوس الأصابع، ونقصد هنا دومينجوس دا جيا وباولو فالينتيم وسيلاس، فإن بإمكاننا الحديث عن وجود تقليد الاستعانة بأبناء الأرجنتين في أندية البرازيل، ويدعي الكثيرون أن سبب ذلك هو ضعف البرازيليين في الدفاع وحراسة المرمى، رغم أن في هذا الأمر الكثير من الأفكار المسبقة وربما الكثير من المغالطات.

هكذا حط الحارس خوسي بوي الرحال في فريق ساو باولو سنة 1948، ودافع عن عرينه إلى حدود 1963، ويعتبر واحدا من أعظم اللاعبين في تاريخ هذا النادي. وكان أنردادا كما قلنا ذلك سابقا حارس فاسكو، وحمى أجوستين سيخاس مرمى سانتوس برفقة مدافع أرجنتيني آخر هو راموس ديلجادو، وكان أبالدو فيلول في شباك فلامينجو. بينما يعتبر المدافع روبيرتو بيرفومو رمزا قائم الذات لدى عشاق فريق كروزيرو، ولن ينسوا أبدا أفضاله عليهم سنوات السبعينات.

وأكد بيرفومو في حوار مع يومية "أولي" الأرجنتينية سنة 2002 ما يعتبره الكثيرون أفكارا مسبقة عن البرازيليين والأرجنتينيين ومدرستيهما الكروتين، حيث ذكر أن أبناء الأماريلينيا ميالون إلى الإبداع وإلى خفة راقصي السامبا وأن أبناء الألبيسيلستي ميالون إلى شغف راقصي التانجو ودقتهم. وقال المدافع الصلب السابق: "الغيرة متبادلة بين الطرفين، وهناك اختلاف في علاقة كل طرف بالكرة. حيث نستعملها نحن لبلوغ الأهداف المسطرة، بينما يقبل عليها البرازيليون للترفيه والمرح، وهذا الأمر مرتبط بطبيعة الحياة وطريقة الوجود. نتعامل مع كرة القدم بشكل درامي، بينما لا يفعلون ذلك على العكس منا".

تصفيقات حارة لأبناء الأرجنتين
تراجعت سوق الانتقالات بين الأرجنتين والبرازيل عندما بلغت الهوة المالية بين أندية أوروبا وأمريكا الجنوبية مداها الأقصى، كما سهل تأسيس الاتحاد الأوروبي عملية التعاقد مع اللاعبين الأجانب على أندية القارة العجوز. وكان خوان بابلو سورين واحدا من اللاعبين الأرجنتينيين القلائل المـتألقين في البرازيل نهاية التسعينات ومطلع القرن الحالي، وتألق بدوره في صفوف كروزيرو.

ومكث سورين في صفوف الكتيبة البرازيلية موسمين فقط، لكنهما كانا كافيين ليسطع نجمه ويصير أيقونة من أيقونات الفريق. فلن ينس عشاق السيليتي أبدا ليلة نهائي كوبا ولاية ميناس الجنوبية سنة 2002، حيث شهدت آخر ظهور لسورين بألوان النادي، وكان حينها في طور التفاوض مع لازيو، وكان مصابا، بيد أنه خاض النزال أمام 70 ألف متفرج في ملعب مينيراو، ورفض التغيير، وأحرز هدف الفوز 1-0 على أتليتيكو بارانيينسي.

وسنة 2004، لما حل المنتخب الأرجنتيني لمواجهة نظيره البرازيلي في ملعب مينيراو ضمن تصفيات أم بطولات ألمانيا 2006، تألق أبناء الأماريلينيا، وسجل رونالدو 3 أهداف في الشوط الأول، ثم قلصت الألبيسيليستي الفارق بفضل سورين في الشوط الثاني. وقد وقف نصف الأنصار المتواجدين ليلتها في الملعب، ونقصد بالطبع عشاق كروزيرو، احتراما لهدافهم السابق، وصفقوا على هدفه في مرمى بلادهم. وعاد خوان بابلو سورين إلى رابوسا نهاية العقد الماضي، واستحق مباراة تكريم في بيلو هوريزونتي، ويعيش في الوقت الراهن في البرازيل، حيث سيكون أحد معلقي قناة ESPN خلال كأس العالم FIFA.

هجرة ثانية
وانفتح باب هجرة اللاعبين من جديد في السنوات الأخيرة، خصوصا بعد تقوي الاقتصاد والعملة البرازيليين على الصعيد الدولي وتأسيس سوق أمريكا الجنوبية المشتركة وتقويها، لكن طريقه شاق وطويل، خصوصا إذا كان المرء من بلد الخصوم، وكان من سبقوه إليه من طينة كارلوس تيفيز، الذي تألق في صفوف كورينثيانز سنة 2005. حيث نال الفريق لقب الدوري البرازيلي في ذلك الموسم، وكان يضم في صفوف المدافع الأرجنتيني خافيير ماسكيرانو، وكان المدرب الأرجنتيني دانييل باساريلا على رأس إدارته الفنية. حيث تزايد إقبال الأندية البرازيلية على اللاعبين الأرجنتينيين منذ تألق كوريثيانز ونجمه كارليتوس، وتتواصل هذه الظاهرة إلى حدود اليوم، وأضحى مجموعة من أبناء الألبيسيليتي نجوما في بلاد السامبا، من أمثال داريو كونكا (فلومينينسي) ووالتر مونتيو (كروزيرو وسانتوس) وهيرنان باركوس (بالميراس وجريميو) وأندريس داليساندور وبابلو جينيازو (إنترناسيونال).

http://img.fifa.com/mm/photo/tournament/competition/02/35/51/94/2355194_full-lnd.jpg


وقد صرح جينيازو في حوار مع موقع FIFA.com: "تغيرت علاقة الأرجنتيني بالكرة البرازيلية بشكل كبير في السنوات الأخيرة، وينطبق الأمر ذاته على البرازيليين". ثم واصل موضحا: "كان الأمر تحديا بالنسبة لي، فكوني أرجنتيني في حد ذاته يجعل كسبي ود الأنصار صعبا، وخصوصا بعد نجاح كارليتوس (تيفيز). رغم ذلك أعتقد أن قتالية اللاعب الأرجنتيني ودفاعه المستميت عن القميص يساعدانه على كسب احترام الجماهير".

ولا شك أن حصول مدرب متألق في الدوري الأرجنتيني على فرصة الإشراف على أحد الأندية البرازيلية الكبرى دليل على صحة كلام جينيازو، ونقصد هنا حالة ريكاردو جاريكا، المدرب السابق لفريق فاليز سارسفيلد والذي سيتسلم مهمة تدريب بالميراس بعد نهائيات كأس العالم FIFA. لقد تفوقت نقاط التلاقي والتشابه في هذا الجانب على مواطن الاختلاف وأسباب العداوة، ولا شك أن الصراع الكروي بين الجانبين مرتبط بثلاث مباريات تاريخية ضمن كأس العالم FIFA، وكانت كلها مواجهات مصيرية وحاسمة: التعادل 0-0 سنة 1978 في الموقعة المسماة "معركة روزاريو" والفوز البرازيلي 3-1 سنة 1982 والانتصار الأرجنتيني سنة 1990.

وتحدث دييجو أرماندو مارادونا، صاحب التمريرة التي جاء منها هدف كلاوديو كانيجيا، عن ذلك النصر في سيرته الذاتية، وذكر: "يحب بلدي الفوز على البرازيل ويفضله على أي انتصار آخر في كرة القدم، وينطبق الأمر ذاته عليهم، حيث يستمتعون بالفوز علينا أكثر من استمتاعهم بحلاوة النصر على هولندا أو إيطاليا أو ألمانيا أو أي منتخب آخر، مثلنا ومثلي، فما أحلى طعم الفوز على البرازيل".

لا شك إذن أن الإعجاب المتبادل هو أهم سمات تاريخ العلاقات الكروية البرازيلية والأرجنتينية، حيث يثني أبناء الأماريلينيا على شخصية الأرجنتينيين وقوة عزيمتهم، ويشيد هؤلاء بإبداع البرازيليين ومواهبهم الخلاقة. رغم ذلك تسود المنافسة الشرسة مباريات الطرفين، ويبذل كلاهما الغالي والنفيس من أجل التفوق على الآخر. وربما تلخص جمل عالم الاجتماع الأرجنتيني بابلو ألابارسيس على نحو جيد تعريف هذه العلاقات، حيث قال أن أحد أصدقائه المقيمين في البرازيل يكرر على مسامعه دائما العبارة التالية: "يحب البرازيليون كره الأرجنتينيين، بينما يكره الأرجنتينيون حب البرازيليين".




جدول  ترتيب الأندية  البرازيلية

قصة حياة

سقراط
سقراط

البرازيل في نهائيات كأس العالم


البرازيل في كوبا أميركا


ذكريات رونالدو