Feb
08

فيولا، رمز النجاح والفشل البرازيلي

الكاتب: أبو الجوج


لا يتجادل اثنان في البرازيل على أن سمعة فيسينتي إيتالو فيولا كانت وما زالت موضع نقاش وقضية تسيل الكثير من المداد. كيف لا وهو الذي يُعتبر نموذج المدرب الحكيم الهادئ. حكيم لأنه كان لا يتوانى في منح قيادة الفريق للاعبين المخضرمين. وهادئ لأنه كان يغفو في بعض الأحيان وهو جالس على مقاعد البدلاء. كما أنه كان على رأس الحملة الكارثية في الطريق إلى كأس العالم 1966 FIFAبعدما قاد المنتخب البرازيلي إلى لقبه العالمي الأول في عام 1958.

 
لعل من غير المحتمل أن نجد أحداً غيره سبق له أن أمضى 16 عاماً مرتبطاً ارتباطاً مباشراً بأهم القرارات التي اتُخذت في تاريخ كرة القدم البرازيلية – علماً أن البعض منها غير مجرى التاريخ إلى الأبد دون أن يتخلى عن صفات الشهامة والهدوء والروية التي لازمته على الدوام. ولكن الهالة المحيطة بهذا المدرب، والتي ترددت أصداؤها بعد الفشل البرازيلي الذريع في إنجلترا 1966، هي التي ميزت مسيرته على مر السنين والعقود.

على الأقل هذا ما يؤكده من عايشوه وعملوا إلى جانبه، حيث أوضح الأسطورة ماريو زاجالو في حديث لموقع FIFA.com أن "تقريبا كل ما يقال عن فيولا لا يعدو أن يكون من افتعال الصحافة هنا؛ إنه كلام فارغ". ويُعتبر نجم بوتافوجو نفسه أحد أولئك المعنيين مباشرة بقرارات هذا المدرب. فقبل كأس العالم 1958، تنافس زاجالو على إحدى البطاقتين في موقع الجناح الأيسر مع كانيوتيرو وبيبي، واللذي كان أكثر مهارة منه بكثير، ولكنهما لم يكونا يتمتعان بالخاصية الأبرز التي كانت تميزه عن البقية، إذ كان يُعرف بعودته إلى الخلف للمساعدة في المهام الدفاعية عند ضياع الكرة من فريقه.

وأضاف زاجالو "حتى ذلك الحين، كانت البرازيل تنهج خطة 4-2-4 الكلاسيكية ولكن دون نجاح يُذكر. في 1958، انتهى بي الأمر في التشكيلة الأساسية وأصبحت عنصراً مهماً في فريق فيولا، الذي استخدمني كلاعب هجوم عندما كانت الكرة بحوزة البرازيل بينما كان يوظفني كلاعب خط وسط عندما كنا نفقدها، حيث كنت أقدم الدعم للظهير الأيسر نيلتون سانتوس. لا يسعني إلا أن أقدره على فلسفته هذه. لم يأت إلي ليقول لي ’إلعب بهذا الشكل‘، بل إنه رأى كيف كنت ألعب في بوتافوجو. كانت تلك المرة الأولى التي جرى فيها تغيير جذري على تكتيكات كرة القدم البرازيلية."

مدرب رائد

قبل تلك الفترة، كان فيولا قد أمضى أكثر من 20 عاما بين كر وفر في ملاعب الساحرة المستديرة، حيث سبق له أن أدار دفة ساو باولو، الفريق الذي لعب فيه مدافعا، ولو أنه كان يعتبر نفسه "لاعباً متواضاً" على حد قوله. حينها، لعب دوراً حاسماً في تغيير وجهة مسيرة نجم كبير آخر من نجوم كرة القدم في البرازيل: ليونيداس دا سيلفا، الذي قال في حقه: "كان فيولا هو الذي حثني على ترك فلامينجو والانتقال إلى ساو باولو في عام 1942 . كما كان هو من أقنعني بالعدول عن الإعتزال في عام 1947." وتابع هداف كأس العالم 1938 FIFA "عملت بنصيحته وفزت بعدها بلقب باوليستا في عامي 1948 و 1949." وردت تصريحات ليونيداس هذه في صحيفة أو إستادو دو ساو باولو، بعيد وفاة فيولا عام 1975، في سن الخامسة والستين بعد نوبة قلبية ناتجة عن قصور كلوي.

كما كان فيسينتي فيولا حاضراً في أول انتكاسة برازيلية في تاريخ كأس العالم، عندما سقط السيليساو في موقعة ماراكانازو الشهيرة عام 1950. وفي 1958، تم تعيينه من قبل رئيس الوفد البرازيلي، باولو ماتشادو دي كارفاليو، ليتولى إدارة الجهاز الفني، الذي كان عدد أعضائه أكبر من أي وقت مضى. وربما يرجع السبب في اعتبار فيولا دون سلطة لاتخاذ القرارات إلى كونه قبل أن يعمل إلى جانب مدرب مساعد وطبيب ومسؤول عن الإدارة وطبيب نفساني وطبيب أسنان.

ورقة رابحة

ينسب تاريخ كرة القدم البرازيلية التغيير الجذري الذي حصل ذلك العام إلى اجتماع عقده اللاعبون المخضرمون في الفريق، اجتماع رأى فيه بعض المراقبين شيئاً من التمرد. فبعد أول مباراتين للسيليساو في تلك النهائيات، حيث حقق أبناء أمريكا الجنوبية النصر على النمسا وتعادلوا مع إنجلترا، دار لقاء بين ديدي ونيلتون سانتوس وبقية أعضاء المنتخب لتباحث الوضع وفرض إجراء تغييرين قبل المباراة الحاسمة ضد الإتحاد السوفيتي، حيث طالبوا بعدم إشراك جويل ومازولا، مقابل إقحام جارينشا وبيليه. والبقية تعرفونها: إنجاز تاريخي بمعنى الكلمة.

لكن في حديثه لموقع FIFA.com، نفى زيتو كل ذلك، مدعياً أنه "كذب وكلام فارغ، إذ لم يكن هناك اجتماع. اتُخذ القرار من قبل فيولا، بعدما أعطى [طبيب الفريق] الدكتور هيلتون جوسلينج الضوء الأخضر لبيليه." وبالفعل، أكد "الملك" هذه الرواية خلال محادثة أجراها معنا. فقد كان بيليه يشعر بألم في ركبته اليمنى بعدما تلقى ضربة من آري كليمنتي خلال مباراة ودية خاضها منتخب البرازيل ضد كورينثيانز في التحضير لكأس العالم، علماً أن مشاركته في نهائيات السويد كانت تها الشكوك ويحيط بها الغموض. وقبل المباراة ضد الإتحاد السوفييتي، ذهب فيولا وجوسلينج ليتحدث إلى ابن السابعة عشرة، الذي روى قائلاً. "جاء إلي الدكتور هيلتون وقال: ’هل أنت جاهز.‘ ثم واصل فيولا: "كن على استعداد إذن، لأنك ستدخل." ومن جهته، أوضح زاجالو: "لقد كان الورقة السرية الرابحة في يد فيولا. لم أكن أعرف بيليه لأنه لم يسبق له أبداً أن لعب في ماراكانا. ولكن فيولا سبق له أن شاهده يلعب عندما كان مدرباً في ساو باولو."

وفيما يتعلق بجارينشا، أفشى زاجالو بسر كان طي الكتمان على مدى سنوات، علماً أنه كان شاهد العيان الوحيد في تلك المنازلة: "جويل، الذي كنت ألعب معه في فلامينجو، كان هو زميلي في الغرفة خلال معسكرنا، وبعد المباراة الثانية، قال لي: ’زاجالو، أشعر بآلام في الركبة ...‘ قلت له: ’اصمت، إذا تحدثت بهذا الأمر، فستجد نفسك على مقاعد البدلاء‘. لكنه أصر: ’ركبتي تؤلمني حقاً، سوف أتحدث‘. كان هذا سبب إدخال جارينشا. ولكنكم إذا استمعتم إلى كلام وسائل الإعلام، فسوف يخبرونكم بلقاء مزعوم بين اللاعبين. إنهم من ينشرون هذه المعلومات. أنا كنت هناك في المعسكر ولم أر أي اجتماع. تدربنا عشية مباراتنا ضد منتخب الإتحاد السوفييتي، الذي كان مركز تدريبه مجاوراً لمركزنا. كان جميع الصحفيين الحاضرين هناك يركزون على بيليه وجارينشا. فطن فيولا إلى ذلك فقرر تغيير جميع مراكز اللعب حتى لا يعرف أحد كيف ستلعب البرازيل."

http://ar.fifa.com/mm//Photo/Classic/Coaches/02/00/74/45/2007445_FULL-LND.jpg


الوجه الآخر لعملة النجاح

منذ تلك اللحظة، أصبحت البرازيل تحقق الفوز تلو الآخر وتلعب بشكل أفضل من أي وقت مضى، ليقف الجمهور حينها على ولادة فريق أسطوري بقيادة بيليه وجارينشا. آنذاك، دفنت البرازيل عقدة الدونية التي كانت تعانيها من قبل، وأصبح منتخبها مرادفاً لكرة القدم الممتعة وأسلوب اللعب الإستعراضي. ثم فاز السيليساو بكأس العالم في النسخة التالية، ولكن من دون فيولا، الذي توجب عليه التخلي مؤقتاً عن منصبه بسبب مشاكل صحية. وبعدما ازدادت حدة المتاعب بسبب وزنه وضعف قلبه، بات الناس يدركون لماذا كان يغفو في كثير من الأحيان وهو جالس على مقاعد البدلاء.

وكما يقول المثل، لكل عملة وجهين. الوجه الإيجابي في هذه القصة هو أن السيليساو أصبح مرجعاً تاريخياً في كرة القدم منذ ذلك الوقت وإلى يومنا هذا. أما الوجه السلبي، فينعكس من خلال تلك العادة البرازيلية الغريبة التي باتت تعتبر أية نتيجة عدا الفوز باللقب العالمي بمثابة فشل ذريع وسبباً كافياً للمطالبة بأكباش للفداء.

بعد كفاح طويل، عاد فيسينتي فيولا إلى الأخذ بزمام الفريق الوطني في كأس العالم 1966 FIFA، حيث ترك آخر بصماته مع السيليساو. بدأت البرازيل تحضيراتها لتلك البطولة في مناخ من الإضطراب السياسي والثقة المبالغ فيها. كان إعداداً كارثياً بمعنى الكلمة، حيث ضم الفريق 47 لاعباً وسافر إلى جميع أنحاء العالم لإجراء معسكرات تدريبية.

تعددت الأسباب لكن النتيجة كانت واحدة، حيث كانت الأمور لا تسير على ما يرام. وفي نهاية المطاف، ربما يكون فيولا قد راح ضحية لتوقعات مبالغ فيها، وهي ظاهرة أصبحت منذ ذلك الحين ميزة لا تفارق كرة القدم البرازيلية. ومن المفارقات أيضاً أن هذا الرجل هو الذي كان مصدر كل هذه الهالة، عندما أصبح أول مدرب برازيلي يُتوج بطلاً للعالم.



جدول  ترتيب الأندية  البرازيلية

قصة حياة

بيليه
بيليه

البرازيل في نهائيات كأس العالم


البرازيل في كوبا أميركا


ذكريات رونالدو